ثانيا: أبواب مدينة الجزائر:
أ- باب عزون:
نسبة إلى أحد الثوار من الأهالي اسمه عزون، ثار ضد الحاكم التركي، وحاصر المدينة لكنه قتل من طرف الأتراك. وباب عزون من أهم أبواب المدينة، ومنه كان يدخل القادمون من الجنوب والشرق ومن السهل المتيجي. وكان له جسر يرفع أثناء الخطر .
ب- باب الجديد:
يقع في الجهة الجنوبية الغربية يدخل منه القادمون من البليدة والغرب .
ج- باب الوادي:
نسبة إلى الواد الذي يمر بجانب المدينة، يفتح هذا الباب على الشمال أو الطريق التي تمر بجبل بوزريعة، وهو أقل الأبواب أهمية، ينتهي بجسر يرفع وقت الخطر .
د- باب الجزيرة:
وسمي بباب الجهاد، لأنه الباب الذي كان مخصصا لدخول وخروج القراصنة. وهو أشد الأبواب متانة ومناعة، تقع بجانبه عدة ثكنات للانكشارية البحرية .
و- باب الديوانة:
ويسمى أيضا باب البحر، أو باب السردين كان مخصصا للتجارة البحرية، ولقد علقت بهذا الباب خمسة أجراس، قيل بأنه جيء بها من مدينة وهران سنة 1708م وعلقت على باب الديوانة تخليدا لذكرى الإنتصار على الإسبان واسترجاع مدينة وهران .
كل هذه الأبواب كانت كبيرة الحجم متقنة الصنع، مرصعة بالحديد، تغلق قبل غروب الشمس بقليل وتفتح بعد طلوع الشمس بقليل، يكثر بها الحراس، وتشتد بها الحراسة حتى لا ينسل منها إلى المدينة مشبوه فيه وتحاديها القلاع والثكنات، وكان داخل هذه الأبواب أبواب أخرى ثانوية مثل البابين الداخليين بالقصبة العليا والباب الداخلية فيما وراء باب الجزيرة أو الدزيرة .(انظر الملحق رقم:01).
ثالثا: مراحل الحكم العثماني.
وكما ذكرنا سابقا أن مدينة الجزائر قد دخلت تحت الراية العثمانية هذا ما اكسبها نوعا من الحماية، وأبعدها عنها الكثير من الأطماع خاصة الاسبانية، واستمر الحكم العثماني للجزائر من عام 1509م الى غاية الاحتلال الفرنسي عام 1830م. حيث اجمع المؤرخون على تقسيم هذه الفترة الطويلة من الحكم إلى أربعة عهود وهي كالتالي:
أ- عهد البايلربايات (1519م-1587م)
وبدأ حكام مدينة الجزائر يطلق عليهم هذا اللقب ابتداء من 1519م، وهو التاريخ الذي دخلت فيه مدينة الجزائر تحت راية الحكم العثماني بصفة رسمية، وكان أول من حمل هذا اللقب هو "خير الدين" استنادا إلى الفرمان الذي أصدره السلطان العثماني "سليم الأول"، أن يكون التعيين رسميا من طرف السلطان .
كما لمعت في هذه الفترة عدة شخصيات نذكر منها: "صالح رايس" الذي قام باسترجاع وتحرير بجاية، ووضعوا حدا لأطماع الإسبان، وطردوا منها بصفة نهائية سنة 1555م .
ولقد تولى هذا المنصب (منصب بايلرباي) ثمانية عشر شخصا من الأتراك أولهم كما ذكرنا سابقا خير الدين (1519م-1534م) وآخرهم حسن فنزيانو (1583م-1587م) ، وتميزت هذه المرحلة من الحكم أن معظم من شغل هذا المنصب هم من طائفة رياس البحر الذين كان ابلغهم من رفاق خير الدين .
ب- عهد الباشاوات (1587م-1659م)
في سنة 1587 تم إلغاء نظام البايلربايات، واستبدله بنظام الباشاوات وهذا التغيير عين من قبل السلطان العثماني "مراد الثاني"، حيث اصدر فارمان إلغاء نظام البايلربايات واستبداله بهذا النظام، فاخذ الباب العالي بإرسال الباشاوات لحكم مدينة الجزائر ابتداء من 1587م ، وكان هؤلاء الحكام يديرون شؤون الدولة بمعاونة اللجنة الاستشارية مؤلفة من: وكيل الخرج، الخزناجي، خوج الخيل والأغا، وفي هذه المرحلة كان الباشاوات يعينون لثلاث سنوات .
وأول باشا عين طبقا لهذا التنظيم الجديد هو "دالي احمد باشا" (1587-1589م) وتداول على هذا المنصب أربعة وثلاثون حاكم منهم من شغل المنصب لمرتين مثل "حسين الشيخ" (1613م-1616م)، وكان آخرهم الباشا "إبراهيم" (1656م-1659م) .
ج- عهد الأغاوات: (1659م-1671م)
انتقل النظام من الباشاوات إلى الآغاوات، وكان هذا عام 1659م، وكان الأغاوات ينتخبون من الفرق الانكشارية لمدة شهرين قمريين لهذا كانوا يعرفون ب "أغا المقريين"
ولكي لا يستأثر بالأغا بالسلطة فقد تقرر أن يستعين الحاكم بالديوان العالي . وقد تميز هذا العصر بمحاولة انفصال الجزائر عن الدولة العثمانية ، ضف إلى ذلك النظام لم يدم طويلا، فالأغا يتولى الحكم كما اشرنا سابقا لمدة شهرين ثم يعزل، لذا تشبث الأغا بهذا المنصب ورفضوا التنازل عنه مما أدى إلى عزلهم بطريقة غير طبيعية كالقتل وأول من تولى هذا المنصب هو "خليل أغا" (1659-1660م) وجاء بعده ثلاثة أغوات كان آخرهم "علي أغا" (1665م-1671م) .
د- عهد الدايات (1671م-1830م):
نتيجة الأوضاع التي شهدها عهد الأغوات من النزاعات الشخصية والمؤامرات والانقلابات ضد بعضهم البعض والاغتيال حتى أن كثيرا من ولاة هذا العهد عزلوا أو قتلوا أو ابعدوا بعد شهرين أو أقل من تعيينهم في مناصبهم، وأدت هذه الحالة إلى ظهور طبقة الرياس واختفاء نظام الأغاوات وظهور عهد الدايات 1671م، والذي دام طويلا واندمج فيه الجنود الانكشارية بطائفة الرياس واختفى الصراع بينهما. وتمكن بعض الدايات من الاستقرار في الحكم مدة طويلة خاصة في القرن الثامن عشر، وكانت هناك بعض التنظيمات تحد من سلطة الداي في أوائل هذا العصر، ولكن في العصور المتأخرة حكموا حكما مطلقا وأصبح للداي الحرية المطلقة في الحكم والإدارة والتفاوض مع الدول الاجنبية وعقد المعاهدات السلمية والتجارية، ويعلن الحرب والسلم ويستقبل الممثلين الدبلوماسيين الأجانب، ومنه يعد عهد الدايات بداية لعهد الاستقلال الكامل للدولة الجزائرية عن الدولة العثمانية ولم تبقى إلا بعض الشكليات ، وأول من تولى هذا المنصب هو الداي الحاج باشا (1671م-1682م) وجاء يعده أربعة وعشرون دايا كان آخرهم الدي حسين باشا (1818م-1830م) والتي كانت فترة حكمه أطول من الفترات في عهد الدايات .
رابعا: أوضاع مدينة الجزائر قبيل حكم الداي حسين.
تميزت أوضاع مدينة الجزائر قبيل الداي حسين الاضطرابات وتجاوزات الأتراك على مستويات متعددة، فسياسيا كان نظام الحكم متوترا فالدايات يتعرضون للانقلابات والقتل منذ بداية حكمهم سنة 1671م وقتل منهم ستة عشر داي، كما أنها لم تسلم من الاضطرابات الداخلية المتكررة من فترة إلى أخرى ففي غضون سنة (1813م-1814م) قام بأي وهران بثورة على مدينة الجزائر وزحف على رأس جيشه شرقا حتى وصل إلى مكان لا يبعد عن المدينة بأكثر من ثلاثة فراسخ، وبعد انتصارات وهزائم تمكن الداي "عمر باشا" الذي كان يشغل منصب الأغا في تلك الفترة من قمعها واسر بأي وهران وإعدامه .
إضافة إلى سخط الأتراك، فثارت فرق الجيش المتواجدة بقسنيطنة وقررت إسقاط الداي، وفي 30 نوفمبر 1817 وصل إلى المدينة الجزائر جيش يتكون من أربعة آلاف أو خمسة آلاف جندي فاستقبلوا بنيران المدافع فاضطر الثورات إلى التراجع وإقامة معسكرهم بعيدا عن المدينة، ولكن هذا المعسكر اختفى في اليوم التالي ، ونتيجة لهذه الاضطرابات أمر الداي علي خوجة (1817-1818) بان ينقل مقر إقامته من القصر السابق إلى القصبة، أعلى نقطة في المدينة في سرية تامة، وفي الليل، أيضا عمل علي باشا على الزيادة في تحصين القصبة وتزويدها بمئة مدفع آخر وبالإضافة إلى حرسه التركي كون فرقة قوية من الكراغلة والحضر وأخرى من الزنوج، وحرص على أن تكون الفرقة التركيبة اضعف الفرق في الجيش والحاميات على حد سوى، حتى لا تستطيع أن تقوم بأي حركة ضده ، ولم يغفل عليه أن جعل بينهم جواسيس يلتقطون له إخبارهم .
أما على الصعيد الاجتماعي فكانت مدينة الجزائر تعاني من اجتياح الطاعون منذ 1817م هذا الوباء الذي لم تبتلى به منذ عشرين سنة، واستمر في الفتك بحياة الناس، ففي شهري أوت وسبتمبر 1817 كان يؤدي بحياة مائتين شخص يوميا من مدينة الجزائر .
وشهدت هذه الفترة تناقصا في عدد الأتراك يوميا وهذا بسبب الإعدام والطرد وغير ذلك فمنهم من عاد إلى وطنه تلقائيا ، كما أن الداي علي خوجة وضع خطة تقضي على الانكشارية نهائيا من المدينة وعمل على اخذ أطفال اليهود من دويهم وإرغامهم على اعتناق الإسلام والقيام بالحراسة في القصبة، وترسل البنات إلى خدمة حريمه، وقد أثار هذا اشمئزاز جميع المسلمين لأن دينهم لا يرضى بأعمال من هذا النوع .
وفي عام 1816 حصرت غارة اللورد ايكسموث على مدينة لجزائر التي دمرت جزءا من مباني المدينة وخربت عددا من الراكب البحرية من ضمنها "البورتقيزية" التي أسرها الرايس حميدو من البرتغال عام 1802، واضطر الداي عمر باشا على إمضاء صلح مهين مع انجليزا، فأطلق جميع الأسرى المسيحيين بالمدينة وأعاد المبالغ المالية التي تم بها شراء الأسرى قبل دلك وتنازل عن المطالبة بالاتاوات .
وقدر محتوى الخزينة في الفترة التي سبقت عهد الداي حسين (1817م) بخمسين دولار اسباني وهو مبلغ ضخم لأن الدولار الاسباني كان يساوي في تلك الفترة 3.4 فرنك فرنسي ، وتم تحويل هذه الخزينة بما فيها إلى مقر السلطة الجديدة .
أما الأوضاع الخارجية لمدينة الجزائر قبيل عهد الداي حسين خاصة مع جيرانها تونس والمغرب وطرابلس كانت على حال حسنة، فعلاقة مدينة الجزائر مع تونس تحسنت بعدما كانت في اشد توترها وانطفأت نار الفتنة في عهد علي خوجة الذي عمل على تحسين العلاقة ونسيان الماضي وأحقاده، وكذلك مع المغرب وطرابلس وهذا ما تدل عليه التبرعات التي بعث بها مولاي سليمان سلطان المغرب، والمراكب الذي بعث به يوسف باشا من طرابلس، وهي التبرعات التي جاءت إلى مدينة الجزائر بعد المعركة المؤلمة مع الانجليز . أما مع الدول الأجنبية فكانت الأوضاع تتأرجح من دولة إلى أخرى، فمع الانجليز فقد بناهج من خلال حملة اكسموث على المدينة 1816م، أما اسبانيا فمند سنة 1815 وهي تبدل جهودا مستمرة من اجل تسوية معقولة لقضية الديون ولكن دون جدوى نظرا لتحفظ الجزائر بحقها في تسديد هذه الديون ولو بالالتجاء إلى القوة، لذلك طلبت الحكومة الاسبانية من قنصلها بمغادرة المدينة ، وكانت الدولة الأحسن حظا هي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحظى بالاحترام من الحكومة الجزائرية، وهذا ما يفسر احترام البحارة الجزائريين للسفن الأمريكية التي كانت تتجول في مناطقها بعكس السفن الأخرى التابعة للدول الأجنبية والتي كانت تعرض للتفتيش .
المبحث الثاني: الداي حسين باشا
قبل أن نبدأ في استعراض تفاصيل حياة الداي حسين باشا، يجدر بنا الإشارة إلى نقص المصادر التي تتحدث عن هذه الشخصية بالذات، إذ قلما نجد كتابا تناول هذا الموضوع بالتفصيل، إذ نكتفي بتقديم خطوط عريضة وعامة على هذه الشخصية، لا تكفي للوصول إلى تعريف واف وكاف.
أ- حياته:
هو حسين خوجة بن علي، وقيل ابن الحسن، آخر دايات الجزائر ، ولد بقرية فورلا "vurla" الواقعة على الشاطئ الجنوبي لازمير ، أما عن سنة ولادته فهناك تضارب في التواريخ، فهناك من يقولانه كان في 1764 ، 1767م أو 1773م ، وهو من عائلة تركية أصلية، نشأ باسطنبول حيت تلقى مبادئ القراءة والكتابة واكتسب تدريبا عسكريا في المدارس العسكرية أهله لأن يصبح من رجال المدفعية بالجيش العثماني ، وأكتسب مهارة في تلقي المدافع وتصويبها، فأصبح بذلك طبجيا ماهرا وقد اكتسب هذه المهارة من أبيه الذي كان ضابطا في الفرقة المدفعية (الطبجية).
وقد وصفه المؤرخ الفرنسي "اغسطين جال" في الحديث الذي دار بينه وبين الداي حسين في الفندق الذي كان يقيم فيه عند زيارة الداي حسين لباريس في سنة 1831م على النحو التالي: "...قامة متوسطة يميل إلى السمنة...، وله هامة عظيمة وواضحة المعالم، وله لحية بيضاء طويلة ذات تموجات ذهبية، يعلوها شارب أكثر سوادا وكأنه يشكل قوسين للحية، وكل ذلك يضيف وسامة إلى ملامح وجهه.
وللباشا عينان هادئتان، نصفهما مختبئ وراء نظارات، ولم يكن حسين متجهما ولا جامدا، فهو يحب الضحك والحكاية، وله طيبة يمكن أن تكون ساذجة تجعله محبوبا أكثر لدى الناس وكانت ملامحه لطيفة وجذابة" . (انظر الملحق رقم:02).
أما احمد الشريف الزهار فقال عنه "كان قوي النفس لا يتزعزع لعظام الأمور، ولا يتضعضع لنواب الدهور، أما سرية في أهل البلد، وأهل مملكته فقد سار فيهم سيرة حسنة لأهل الجزائر، فقد كان يعفو عن الجرائم، ويصفح عن الزلات" .
كما كان يتميز بالوفاء في القيام بالالتزامات، وكان معروفا في كامل أنحاء أوربا وانه لا يوجد بلاط واحد اشتكى من أن حسين قد خرق المعاهدات التي ابرمها سواء مع القوى أو الضعيف .
وقد ظل أثناء ذلك منتظما في حياته مقتصدا في معيشته متواضعا في مظهره متقيدا بأحكام الشريعة الإسلامية ميالا إلى القضايا الأدبية والمسائل الشعرية محبا لاستظهار القرآن ساهرا على أحوال أسرته وراعيا لأخيه الذي كان يقيم معه، معتنيا ببناته الثلاثة (عائشة، حفيظة، أمينة) .