وفي الصحيحين من حديث أنس قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي r يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها فقالوا : أين نحن من رسول الله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟! فقال أحدهم : أما أنا اصلي الليل أبدا وقال الآخر : أما أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدا ، وقال الثالث : وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج أبدا . فلما أخبر النبي r بخبرهم قال: (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ))([5]).
ثالثا : التدرج في الطاعة : لكن افهم معنى التدرج فبعض الناس يظن أن التدرج هو أن يصلي مثلا الفرائض ، وأن يؤجل الصيام حتى يتقن الصلاة ، هذا خلل في فهم التدرج ، لكن التدرج معناه أن تبدأ بالأسهل فالأسهل ، وبالأحب إلى قلبك . أن تبدأ مثلا قيام الليل إن كنت ممن لا يقومون الليل أن تبدأ بركعة أو أن تبدأ بثلاث ركعات ، وهكذا وهكذا حتى تصلي إحدى عشر ركعة ، أو تبدأ بالأحب إلى قلبك .
فتح الله لك باب الدعوة إلى الله ابدأ بالدعوة إلى الله ، فتح الله لك باب الذكر ، ابدأ بالذكر، إن فتح الله لك باب الإحسان للفقراء ، ابدأ بهذا الباب ، افتح هذا الباب ، ليفتح الله – عز وجل – لك بعده أبوابا أخرى فضل الله عظيم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
لكن لابد من أن تعي التدرج قالت عائشة - والحديث في البخاري : (( إن أول ما أُنزل من القرآن سورة فيها ذكر للجنة والنار ، حتى إذا تاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، لا تزنوا لا تشربوا الخمر ، تقول : ولو نزل أول ما نزل : لا تشربوا الخمر ولا تزنوا لقالوا لا ندع الخمر ولا الزنا أبدا )) ([6])
وهذا ما فهمه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حين جاءه ولده البار عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز شاب في ريعان شبابه ، لم يبلغ السابعة عشرة ، من عمره لما تولى والده الخلافة وبويع في المسجد ، وذهب عمر بن عبد العزيز ، ليستريح قليلا فذهب إليه ولده وقال: يا أبت يا أبت ماذا تصنع تنام قبل أن ترد المظالم إلى أهلها ما لي أراك لا تحمل الناس على الحق ، ثم قال الولد بحماس فوار وإخلاص كبير : والله لا أبالي إن غلت القدور بي وبك في الله – يعني لا أبالي إن وضعت أنا وأنت في قدر يغلي فيه ماء أو زيت ما دام عملنا لله .
فقال عمر بن عبد العزيز العالم الفقيه الراشد : يا بني لا تعجل إن الله – جل وعلا – ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة ، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة واحدة فيدعوا الحق جملة واحدة ، فتكون فتنة هذا هو الفهم .