رٌميت عائشة – رضي الله عنها – رُمي رسول الله r في عرضه ، رسول الله r الطاهر الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين يرمى في طهارته وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين ، في صيانة حرمته ، وهو القائم على صيانة كل الحرمات في أمته ، وفي من ؟ في عائشة في حبيبة قلبه ، في أم المؤمنين ، في الصديقة بنت الصديق ، العتيقة بنت العتيق الحبيبة بنت الحبيب الحصَان الرزَان ، يٌرمى في عائشة .
وها هي أم المؤمنين زوج سيد المرسلين ، ترمى في أغلى ما تعتز به أي فتاة ترمى في شرفها تُتًهم بالخيانة ، ترمي بالفاحشة تتهم بالزنا ، وهي الزهرة التي تفتحت في بستان الصدق ، ثم اكتمل نموها في بيت النبوة وسقيت بمداد الوحي على يد رسول الله r .
وها هو الصديق صديق الأمة الأكبر، الرجل الطاهر الفاضل الذي بدأ تربية عائشة في بيت الصديقية، يرمى بهذا فيبكي، ويحطم الألم فؤاده، ويمزق الحزن كبده، ويقول : والله ما رمينا بهذا في الجاهلية أفنرمى به في الإسلام ؟.
أفنرمى به في الإسلام ؟
وصفوان بن المعطل الصحابي الجليل يُرمى في عقيدته ، في دينه ، في دينه يوم يتهم بخيانته لنبيه المصطفى r وفي من ؟ في عائشة ، في أم المؤمنين الحصَان الرزَان ترجع إلى المدينة ، وتمكث شهراً كاملاً وهي مريضة لا تعلم عن قول أهل الإفك أي شيء لا تعلم شيئاً فهي حَصان رزَان ، لا تلتفت إلى مثل هذه الوقاحات أبداً وخرجت يوماً مع أم مسطح فأخبرتها أم مسطح بما يقوله الناس في المدينة قالت عائشة : وأنا والله لا يريبني شيئا في وجعي إلا أنني لم أكن أرى اللطف الذي أعهده من رسول الله فكان يدخل ويسلم ويقول : (( كيف تيكم ؟ )) وأنا لا أعلم شيئاً ، فلما عرفت استأذنت رسول الله r أن يأذن لها في أن تذهب إلى بيت الصديق – رضي الله عنه – فأذن لها النبي r .
ويشاء ربك – جل وعلا – أن يمضي شهراً كامل لا ينزل فيه على المصطفى r في هذا الآمر آية واحدة ، ويشاء ربك لحِكَم يعلمها – جل وتعالى – ألا يرى رسول الله r ولا رؤيا واحدة ليبريء بها أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – يمضي شهراً كامل يحطم الألم فؤاد رسول الله r ويحطم الحزن ويفتت كبده r .
وبعد شهر كامل يذهب النبي r إلى بيت أبي بكر – رضي الله عنه – وعائشة التي ذهبت والله ما ذهبت لتسوثق من هذا الكلام في هذا الموضوع الجلل ، فتقول لأمها : ما الذي يتحدث به الناس ؟ فتقول أمها : هوني عليك يا ابنتي تقول : سبحان الله أو تحدث الناس فعلاً بهذا أو تحدث الناس بهذا ؟قالت : فلم يرقأ لي دمع فلم ينقطع لي دمع ولم تكتحل عيناي بنوم ، وظن أهلي وأبواي أن البكاء فالق كبدي . وهي على الفراش تبكي دخلت عليها امرأة من الأنصار تبكي لبكائي وأمها تبكي ، والصديق يتألم ويحطمه الألم .
وفجأة دخل رسول الله r فسلم وجلس إلى جوار عائشة ، فشهد وحمد الله وأثنى عليه، ثم التفت إلى عائشة وقال: ((يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) قالت : فقلص دمعي.
وأنا أرجو أن تتصوروا أنتم حالة رسول الله r وهو يقول لعائشة هذه الكلمات : ((فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) .
تقول فقلص دمعي ، جف الدمع وقلت لأمي : يا أمي أجيبي عني رسول الله r تكلمي أنت ، فقالت أمها : والله يا ابنتي ما أدري ماذا أقول لرسول الله r فالتفت إلى الصديق وقلت : يا أبي أجب عني رسول الله r فقال الصديق : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r.
قالت : فقلت : والله لا أرى لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : { َصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف/18] .
قالت : والله ما رام رسول الله r مجلسه ولا رام أحد في الدار مجلسه أي ما فارق أحد مجلسه الذي كان يجلس فيه ، حتى أخذ رسول الله r من البُرَحَاء من الشدة مما ينزل عليه من الوحي حتى أنه ليتحدر مثل الجمان – أي : يتصبب عرقا كحبات اللؤلؤ ، من ثقل الوحي الذي يتنزل عليه – فلما سري عن رسول الله سري عنه وهو يبتسم ، وكانت أول كلمة نطق بها المصطفى r بعد ما التفت إلى عائشة فقال : (( أبشري يا عائشة فلقد برأك الله – عز وجل )) فقالت أمها : قومي يا عائشة قومي إلى رسول الله r فاحمديه قالت عائشة : لا لا والله لا أقوم إليه ، بل لا أحمد إلا الله – عز وجل – الذي أنزل براءتي من فوق سبع سماوات .